كمامات الكآبة، كمامات تائهة في عالم تائه وأخرى تغزو البحر المتوسط

أصبحت الكمامات الجراحية ذات الاستخدام الواحد عنصراً أساسياً في حياتنا اليومية وهي إلزامية في التنقل ونرتديها في كل مكان، لكن لا ينتهي بها المطاف دائماً في سلة المهملات بعد استهلاكها. وقد تضاعفت على الشبكات الاجتماعية صور الشوارع المليئة بالكمامات والقفازات المستعملة منددة بهذا السلوك. كما تعددت المبادرات الفردية في صفحات الكترونية تؤنسن الكمامة فتنطق بمأساتها، وتحذر من غزو الكمامات المتسخة البحر المتوسط أيضاً.

 

عنصر ذو حدين: حماية وتلوث!

تدخل في تركيبة الكمامات مادة البولي بروبلين (أي التي تعتمد على البترول) وهي مادة بلاستيكية غير قابلة للتحلل، وبالتالي تحتاج الكمامة إلى نحو 450 عاماً لتتحلل ومن الواضح أن وجودها المتكاثر يوماً بعد يوم في الطبيعة أو على الأرصفة والشوارع هو تلوث بيئي مؤكد.

المسؤولون عن نظافة المدن هنا في فرنسا مثلاً، يلتقطون أسبوعياً كمية كبيرة من هذه الكمامات الملقاة عمداً أو سهواً في الشارع، من أجل سلامة قنوات الصرف الصحي وصورة المدينة، كما أن غرامة قدرها 68 يورو ستكون من نصيب من يُمسَك « بالجرم المشهود ».

وقد تضاعفت صور الشوارع المليئة بالكمامات والقفازات المستعملة على الشبكات الاجتماعية.

في مقطع فيديو انتشر منذ فترة على شبكات التواصل الاجتماعي حذّر مؤسس جمعية ( Opération Mer Propre)

  من غزو الكمامات والقفازات مياه البحر المتوسط مؤكداً أن 80 بالمئة من نفايات البحر مصدرها اليابسة.

« سيكون لهذا الوضع الصحي تأثير كارثي على البيئة، لا سيما بسبب التلوث الناتج عن الكمامات ذات الاستخدام الواحد. »

وإذا كان المهتمون بشؤون البيئة يبذلون ما في وسعهم للتنبيه والتحذير والتصرف إزاء التلوث البيئي الذي تتسبب به الكمامة، فهناك من ينظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة.

 

كمامات الكآبة، كمامات تائهة في عالم تائه

صور فنية التُقطت بعناية شديدة لكمامات « تعاني من الوحدة »، وتحت كل صورة كمامة مرمية في أمكنة مختلفة من المدينة ومساحاتها الخضراء. تعليق يضع كلاماً على لسان الكمامات، كأن تقول كمامة مرمية تحت شجرة في حديقة عامة: « يوماً ما سأصبح شجرة كمامات »، قبل أن تعبّر كمامة أخرى عن نفسها قائلة من وسط شارع خاص بالمشاة: « أراقب المارة، هنا، حيث أستلقي وحيدة وكئيبة ».

كمامة ثالثة وسط غابة، تتأمل حياتها وتبحث عن مكانها معتبرة أن الانتماء هو فكرة رشيقة بكل الأحوال. كمامة رابعة ملقاة وحيدة أمام أحد الصروح الدينية تنادي الناس إلى عبادتها وفي أخرى تسأل إن كان هناك فعلا ضوء في نهاية النفق أم أنها أزمة أخرى في انتظارها.

 

طلاب في مواجهة تلوث الكمامات

أزمة التلوث المستجدة هذه دفعت بمجموعة من الطلاب في

للقيام ببحث استقصائي حول التلوث الذي تتسبب به الكمامات. (Eure-et-Loir)

 جاء الطلاب الصغار بفكرة: « التنبيه والتوعية، نعم، ولكن بنبرة لطيفة لا تثير القلق ».

كيف يُعاد استخدام الكمامات الجراحية؟ كيف يمكن دمجها مع التنمية المستدامة؟ ما هو تأثير الكربون؟ أين تُلقى الكمامة على الطريق العام؟

للإجابة عن كل هذه الأسئلة أجرى طلاب الكلية تحقيقات محلية، ومقابلات… وبعد أربعة أشهر من العمل نشروا مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق عن التلوث الذي تسببه الكمامات.

يكشف التقرير الطلابي عن صعوبة إعادة تدوير الكمامات مع غياب مشروع حالي في هذا الإطار، كما يسأل عن طبيعة سلة النفايات الخاصة بها، لنكتشف أنها تُحرَق كما الكثير من النفايات.

 كما تشرح إحدى الطالبات كيف تنتقل كمامة رميت في شارع وسط فرنسا، إلى قعر المحيط في قارة أخرى، وهنا يبرز الخطر الذي تشكله الكمامة على الحيوانات المائية والبشر على حد سواء: من يأكل سمكة ابتلعت بلاستيك هو حكماً يأكل البلاستيك أيضاً!

لا ينسى الأطفال اقتراح الحلول، من بينها عدم رمي الكمامة في الشارع أو اقتراح تصنيع كمامات من مواد قابلة للتحلل.

 

مبادرات فردية لمكافحة كمامات الشوارع

مبادرات لا تسمن ولا تغني من جوع قد يقول قائل، لكن لا يمكن إلا النظر بإعجاب وتقدير إلى مبادرة  » إدموند وفريد »، صديقان، إنكليزي وفرنسي، قررا التوجه من مدينة مرسيليا إلى باريس سيراً على الأقدام بهدف التقاط الكمامات المرمية في الأمكنة العامة.

حصيلة الرحلة 880 كلم و5 آلاف كمامة ملوثة واستنتاج يلحظ أن الريف أقل اتساخاً.

المصدر : مونتي كارلو الدولية