جزر تونس غير المأهولة بالسكان حراس الخضراء وحماتها وورقاتها السياحية المستقبلية
7 septembre 2020
7 septembre 2020
تونس-“القدس العربي”: إلى جانب الجزر التونسية المأهولة بالسكان، أي أرخبيلات جربة وقرقنة وجالطة، تتناثر غير بعيد عن سواحل الخضراء شمالا وشرقا وداخل الخلجان والبحار الداخلية جزر أخرى غير مأهولة تتميز أيضا بجمالها وسحرها وكنوزها الطبيعية. وهي محميات طبيعية يتركز في أغلبها الجيش الوطني التونسي ويقصدها الزوار للصيد والسباحة والغوص والاستكشاف وتقام في بعضها مشاريع بيئية وأيضا منارات لهداية السفن التائهة في البحر الأبيض المتوسط
ومن بين هذه الجزر أرخبيل الكنائس، الواقع قبالة عاصمة الجنوب صفاقس. ويتشكل من أربع جزر هي البصيلة والحجر واللبوة والغربية وجميعها محميات وطنية منذ بداية تسعينيات القرن العشرين. والبصيلة هي أكبر جزر الأرخبيل وتتميز بانخفاضها ومستنقعاتها، فيما تضم جزيرة اللبوة بقايا كنيسة يرجح أنها السبب في إطلاق تسمية “الكنائس” على هذا الأرخبيل الذي يقع بين جربة وقرقنة، أي أهم جزر البلاد المأهولة بالسكان
وتضم الكنائس فضاء سياحيا ترفيهيا للاستراحة ويقصدها البحارة وهواة الراحة والاستجمام على حد سواء، وذلك للتمتع بمناظرها الخلابة بعيدا عن ضجيج المدن. وهناك نية لتحويل هذا الأرخبيل إلى قطب سياحي بيئي وترفيهي ومتنفس لمدينة صفاقس، القطب الصناعي الذي تضررت بيئته كثيرا نتيجة لهذه الأنشطة الصناعية الملوثة.
وتعيش في الكنائس أنواع عديدة من الطيور البحرية المقيمة والمهاجرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط والتي يعتبر الأرخبيل موطنها الطبيعي حيث تقتات وتتكاثر وتساهم في المحافظة على التوازن البيئي. كما تعتبر منطقة خليج قابس التي يقع فيها الأرخبيل أغنى منطقة في البحر المتوسطي بالأسماك ويطلق عليها الخبراء تسمية “محضنة المتوسط” حيث تتكاثر فيها هذه الأحياء المائية بأعداد كبيرة وتساعد على ذلك عوامل عديدة مثل درجتي الحرارة والملوحة وكمية الأوكسيجين وكثرة الأعشاب البحرية والعمق المناسب
من أهم الأحياء المائية التي تستوطن محيط أرخبيل الكنائس، القمبري الذي تذهب كميات هامة منه إلى التصدير باعتبار توفره بكثرة بالإضافة إلى سمك التريليا وهو نوع فاخر يستهلك محليا ويصدر. كما توجد بشواطئ الأرخبيل كميات هامة من المحار من مختلف الأنواع والأحجام يقبل عليه التونسيون كما سائر المتوسطيين في أطباقهم الغذائية البحرية
هما جزيرتان، قوريا الكبيرة وقوريا الصغيرة أو كولينيارة التي يطلق عليها البعض تسمية “جزيرة الأرانب” وتقعان قبالة سواحل مدينة المنستير بالوسط الشرقي على بعد حوالي 18 كم في عمق المياه. وتمتاز الجزيرتان بشواطئ رملية جميلة صالحة للسباحة وبالسباخ والمستنقعات البحرية وذلك بالنظر إلى انخفاضهما وعدم ارتفاعهما كثيرا عن سطح البحر. وغير بعيد عن القوريتين تقع جزيرة الديماس وتحديدا قبالة سواحل مدينة البقالطة من ولاية المنستير
وعلى غرار الكنائس تتميز جزيرتا قوريا بكونهما موطنا للتنوع البيولوجي تستوطنها أنواع نادرة من الطيور البحرية بعضها مهدد بالإنقراض وهو ما يجعل من قوريا الموطن الملائم للحفاظ على هذه الكائنات وحمايتها. كما تقوم الدولة التونسية بتربية السلاحف البحرية في قوريا والتي أدى نقصها في وقت ما إلى انتشار الأعشاب البحرية الحارقة في مياه منطقة الساحل التونسي التي تتميز بشواطئها الرملية الجميلة. كما تحتوي جزيرتا قوريا على ثروة سمكية استثنائية وأعشاب بحرية هامة على غرار البوسيدونيا المدرجة ضمن الأنواع المهددة بالانقراض وهي نباتات بحرية توجد في المتوسط وفي محيط الساحل الجنوبي الأسترالي وتستعمل كعازل حراري
وتوجد في الجزيرتين منارة لإرشاد السفن بالإضافة إلى التركز اللافت لقوات الحرس والجيش البحريين اللذين يبسطان نفوذ الدولة هناك ويراقبان نشاط المراكب التي تنقل المصطافين وزائري الجزيرتين من مدينة المنستير. وهناك برنامج لتطوير النشاط السياحي في “القوريتين” إن صح التعبير بالنظر لمخزونها الهام وخاصة شواطئها المتوسطية النظيفة والساحرة التي يقبل عليها المصطافون وهواة السباحة
يضم أرخبيل جامور أساسا جزيرتي زمبرة وزمبرتا. ويقع هذا الأرخبيل قبالة ولاية نابل من جهة خليج تونس. وشبه جزيرة الوطن القبلي التي تضمها ولاية نابل تقع بين خليجي تونس والحمامات وبها الجزء التونسي من مضيق صقلية الذي يقسم البحر الأبيض المتوسط إلى حوض شرقي وآخر غربي، ومن مدينة قليبية غير بعيد عن جزيرة زمبرة يمكن رؤية الأراضي الإيطالية بالعين المجردة
وتتميز زمبرة ومحيطها بجمال استثنائي وتتوفر على ثروة حيوانية ونباتية استثنائية وتنتشر فيها عيون الماء العذبة على غرار عين الريحان الواقعة بوادي الزيتون وعين كبّار التي تقع في مكان ينتشر فيه نبات الكبار البري، وهو ما جعل زمبرة محمية طبيعية مصنفة لدى اليونسكو منذ سنة 1977. ومن أهم النباتات في الجزيرة الزيتون البري والسرول والتين واللّنج والريحان والعرعار الفينيقي. وتوجد في زمبرة أيضا نباتات الذّرو والكتم والحلاّب والخلنج وخسّ كريت شديد الندرة الذي يعتقد أن زمبرة هي من أواخر معاقله في العالم، وتوجد أيضا نباتات صغيرة نادرة تنبت في الصخور مثل قرنفلة الصخور
ومن أهم الحيوانات والطيور والكائنات البحرية في الجزيرة، الأرانب البرية والأغنام وأروية كورسيكا والنسور والحريد وجلم الماء الرمادي وهو الطائر المميز للجزيرة التي تعتبر من أهم مواقع تواجده في العالم. ويوجد أيضا المرجان المتشعب البرتقالي وسمك المنّاني والتن والماكرو والسردين والدلافين والسلحفاة البحرية كبيرة الرأس التي تتناقص أعدادها بشكل كبير في البحر الأبيض المتوسط والفقمة الناسكة المهددة بدورها بالانقراض
ورغم جمال زمبرة الخلاب في البحر المتوسطي قرب خليج تونس فقد توقفت فيها الاستثمارات السياحية في وقت ما وهجر هواة رياضة الغوص وصيد الأعماق فندقها الفخم الذي بني في ستينيات القرن العشرين ناهيك عن المنازل المنتشرة في أرجائها على غرار منزل الشاعر، المشرف على خضرة الغابة وزرقة البحر والذي يروى أن أحد الشعراء قد استوطنه في وقت ما. وقد رغب مستثمرون أجانب في استغلال زمبرة في مشاريع سياحية على غرار مستثمر صيني أراد إنجاز مشروع استثنائي سنة 2007 مع المحافظة على الخصائص البيئية والطبيعية للجزيرة ومحيطها
ويتواجد الجيش التونسي وتحديدا جيش البحر بكثافة في زمبرة وهو المنتشر في كافة جزر البلاد لتحقيق سيادة تونس على أراضيها ومياهها الإقليمية، وتتبع الوحدات العسكرية البحرية المتواجدة بالجزيرة المتوسطية الخلابة قاعدة حلق الوادي التي تقع قرب العاصمة تونس. وبالإضافة إلى جيش البحر يوجد في زمبرة حارس تابع لإدارات الغابات التابعة بدورها لوزارة الفلاحة يسهر على حماية الثروة النباتية الهامة التي توجد فيها
وتوجد في الجزيرة آثار قرطاجية تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد وأخرى رومانية ما يعني أن زمبرة كانت من الجزر التونسية المأهولة في العصور القديمة شأنها شأن جربة وقرقنة وجالطة. ويرجح بعض المؤرخين أنها كانت محطة هامة في عملية جلب الحجارة من مدينة الهوارية لبناء مدينة قرطاج خاصة وقد حامت حولها أساطير كثيرة منها أنها ملجأ أميرة فرت من ملك أراد الزواج بها رغما عنها
ولا توجد في زمبرة آثار إسلامية أو عثمانية وذلك خلافا لأرخبيلي جربة وقرقنة، ولا حتى أوروبية على غرار جالطة التي استوطنها الإيطاليون والفرنسيون إبان الحقبة الاستعمارية، أو جزيرة شكلي التي أقام فيها الإسبان الغزاة حصنا للسيطرة على مدينة تونس افتكه منهم العثمانيون لاحقا. وحدها دولة الاستقلال بعد القرطاجيين اهتمت بزمبرة وأرادت الاستثمار فيها في الستينيات ويشهد ميناء الجزيرة على سعي الدولة على الاستثمار في جزيرتها الخلابة
إلى جانب أرخبيل جالطة المأهول توجد قرب سواحل ولاية بنزرت جزر أخرى عديدة غير مأهولة منها جزيرتا القاني الكبير والقاني الصغير وتقعان على بعد 11 كيلومترا من رأس الزبيب. وتضم الجزيرتان ناظورا يقع بأعلى نقطة فيهما تم تشييده سنة 1860 بأمر من ملك تونس آنذاك وذلك على إثر اصطدام بارجة حربية بريطانية سنة بجزر القاني. وهو يعتبر ثاني ناظور يبنى في تونس بعد ناظور سيدي بوسعيد.
وتوجد أيضا قرب ولاية بنزرت جزيرتا “رشادة الأخوان” وتقعان قبالة السواحل الغربية للولاية. وأيضا الجزيرة المنبسطة أو الواطية التي تعتبر امتدادا لرأس سيدي علي المكي. وقد سميت بالمنبسطة أو “الواطية” لأنها مسطحة وبها ناظور يبلغ ارتفاعه 11 مترا
وغير بعيد عن المنبسطة توجد جزيرة قمنارية أو بيلو، التي تقع قبالة رأس سيدي علي المكي على بعد 2 كم من ساحل مدينة رفراف، وهي جزيرة تعيش فيها العديد من أنواع الطيور البحرية والنباتات وبها آثار لمعبد قديم منحوت على الصخور. وسميت قمنارية بسبب شروق الشمس فجرا من ورائها، ثم صعود قرص الشمس في السماء ليبدو من شاطئ رفراف وكأنه فوق قمتها وشعلة من نار وبالتالي فهي الجزيرة التي قمتها نارية أو قمنارية
وتشهد جزيرة قمنارية ظاهرة فريدة في شهر كانون الأول/ديسمبر من كل عام، مرتبطة بحركة دوران الأرض تتمثل في تحولها إلى اللون الذهبي في مشهد استثنائي رائع. فبين الشمس وقمنارية قصة عشق يبدو أنها لا تنتهي وكأن النجم الكوني العملاق يكافئ الجزيرة مرة كل سنة بوشاح ذهبي شكرا وعرفانا على استراحته اليومية واسترداد أنفاسه على قمتها قبل مواصلة مسيرته في عنان السماء
تقع جزيرة شكلي وسط بحيرة تونس الشمالية المرتبطة بقناة مع خليج تونس والبحر الأبيض المتوسط، وما يميز هذه الجزيرة هو وجود قصر تاريخي قديم يتوسطها بناه الإسبان خلال سنوات حصارهم لتونس زمن الدولة الحفصية ثم احتلالهم لها. وقد تمكن العثمانيون لاحقا من افتكاك هذا الحصن المشرف على مدينة تونس وأعادوا ترميمه واستغلوه حين استتب لهم الأمر في ربوع الخضراء، ليحوله بعض ملوك تونس إلى سجن
وساهمت الحكومة الإسبانية في جهود الدولة التونسية في ترميم حصن جزيرة شكلي وما يتضمنه من مكونات بقيت شاهدة على حقبة هامة من تاريخ البحر الأبيض المتوسط والصراعات التي دارت بين الشعوب التي تعيش على ضفافه. وتسعى الدولة منذ فترة ورغم العراقيل إلى تحويل هذه الجزيرة إلى مركز للحياة الثقافية تقام فيها العروض الفنية الراقية على غرار ما يحصل في سانتوريني اليونانية
إن في تونس من الجزر والأرخبيلات ما يؤهلها لتكون قطبا سياحيا وبيئيا عالميا منافسا لأهم الوجهات على البسيطة وذلك بمجرد الاستثمار واستغلال المخزون الإستراتيجي المتوفر. فلا توجد فيها فقط جزيرة جربة والجزر المحيطة بها والتي اشتهرت عالميا كوجهات سياحية فيها كل المرافق، فهناك أيضا أرخبيل قرقنة وجالطة، وجزر غير مأهولة بالسكان مثل الكنائس وقوريا والديماس وزمبرة والقاني وقمنارية وغيرها وتتميز هذه الجزر بجمال استثنائي ومنتشرة شمالا وشرقا وجنوبا وبالإمكان دمجها في مسلك سياحي موحد واستثنائي قد لا يوجد له مثيل في البحر المتوسطي إلا في إيطاليا واليونان
إن هذه الجزر قادرة على ان تكون نموذجا للسياحة البيئية لتنويع المنتوج واستقطاب فئة من السياح من عشاق الطبيعة والمغامرات. كما أنه يمكن إدماجها في سياحة الرحلات البحرية الكبرى التي تقصد وجهات محددة في البحر المتوسطي وتقتصر في زيارتها لتونس على آثار قرطاج والمتحف الوطني بباردو وأسواق مدينة تونس العتيقة ومنطقة سيدي بوسعيد
إن الاستثمار السياحي لهذه الجزر الخلابة في أنشطة مثل الغوص وصيد الأعماق ورياضات المراكب البحرية الشراعية وغير الشراعية والسباحة في الشواطئ الجميلة واكتشاف الغابات والكهوف وتسلق القمم والتمتع بمشاهدة النباتات والحيوانات والأحياء المائية النادرة وغيرها من الأنشطة، لا يجب أن يتم من دون الحفاظ على البيئة باعتبار أن هذه الجزر هي أيضا محميات طبيعية تضم كائنات نادرة مهددة بالانقراض. لذلك يرى البعض أن سبب تأخر الدولة في الاستثمار السياحي في جزرها والاقتصار فقط على جربة وقرقنة هو الرغبة في الحفاظ على الجانب البيئي من جهة وعدم توفر المدن والقرى خلافا لجربة وقرقنة وإلى حد ما جالطة والتي عمرها التونسيون منذ العصور القديمة، لكن ما هو أكيد أن هناك توجها برز في السنوات الأخيرة للاستثمار السياحي في هذه الجزر الجميلة
المصدر : القدس العربي